Sunday, August 17, 2008

المفكر الليبرالى الكبير " الكواكبى " الذى صارع الاستبداد


سعى عبد الرحمن الكواكبى الى الحريه بأفضل معانيها ، وسبق عصره بفكره الليبرالى، وكرس فى سبيلها كل ما يملكه من مواهب ادبيه وفكريه ، وضحى من اجلها بكل ما يملك ، ودفع حياته ثمناً لحريته ، ولد فى سوريا سنة 1854 م فى مدينة حلب توفيت امه فى سن السادسه فأرسله والده الى خالته صفيه بنت مسعود النقيب بأنطاكيه ، واقام عندها ثلاث سنوات تعلم خلالها اللغه التركيه والقراءه والكتابه، وعاد الى حلب ليتابع دراسته فى المدرسه الكواكبيه ، الذى كان ابوه مدرساً فيها ، فأتسعت آفاقه بالاطلاع على كنوز المكتبه التى تحتوى على مخطوطات قديمه وحديثه فأطلع على علوم السياسه والمجتمع والتاريخ والفلسفه ،ومنحته هذه الثقافه المنفتحه والتربيه الاسلاميه شخصيه متميزه ، فعندما بلغ الثانيه والعشرين عين محرراً رسمياً لجريدة الفرات وهى الجريده الرسميه التى كانت تصدرها الحكومه العثمانيه بالعربيه والتركيه ، ثم ترك العمل فيها بعد سنتين بسبب معاناته مع الرقابه لكونه لا يمدح السلطه،ثم رأى ان ينشىء صحيفه خاصه به لاعتقاده انه يستطيع الكتابه بحريه فأصدر صحيفة " الشهباء" وطلب الترخيص بأسم صديقه هاشم العطار كى يفوز بموافقة السلطه العثمانيه .، ولم تستمر هذه الصحيفه طويلا وعطلت ثلاث مرات واغلقها الوالى التركى بعدما صدر منها خمسة عشر عدداً فقط ، فلم تستطع السلطه تحمل جرأته فى النقد ، فالحكومه كما يقول الكواكبى نفسه " تخاف من القلم خوفاً من النار" فتابع جهاده الصحفى متخطياً كل الصعوبات التى اعترضت رحلته الشاقه لتأدية رسالته الصحفيه وتوعية القراء والمساهمه فى النهضه الثقافيه ، ومساعدة الدوله على انتظام السياسه وصيانة الحقوق ، والدعوه الى العداله والحريه فى ابداء الآراء ، وتوجيه الإنذارات ، وبسط شكاوى المتظلمين ، وعرض حاجات الجمهور ، واصدار جريدة" الاعتدال" التى عطلتها السلطه ايضاً والغاها الوالى فتابع الكتابه فى صحف عربيه تصدر فى بلدان عربيه وغربيه مثل جريدة " النحله" بنسختيها العربيه والانجليزيه و"الجنان" و"ثمرات الفنون" و" الجوائب" و" القاهره " وغيرها ،ثم تقلد عدة وظائف حكوميه منها عين عضواً فخرياً فى لجنتى المعارف والماليه ، وفى لجنة امتحان المحامين ، ثم مديراً فخرياً لمطبعة الولايه الرسميه ، فرئيساً فخرياً للجنه الاشغال العامه ، فعضواً فى محكمة التجاره بولاية حلب . وكان موضع الثقه والاعجاب لسمو نفسه وسعة مداركه ، سكن الكواكبى فى القاهره بشارع الحسين قرب الازهر ، وعرف فى مصر واشتهر امره عندما نشر كتابه أم القرى الذى سمى نفسه فيه بالسيد الفراتى ، ثم نشر فى جريدة المؤيد القاهريه مقالات عن الاستبداد بأسم مستعار هو (الرحاله ك) ما لبت ان زاد عليها فى كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد . وبتكليف من الخديوى عباس قام الكواكبى بجوله فى شبه الجزيره العربيه وسواحلها والهند ودول شرقى آسيا ، ليحصل على المبايعه له بالخلافه . ويعتبر كتاب " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" اهم الكتب التى تناولت الاستبداد فى عالمنا العربى ففى هذا الكتاب الذى طبع بعد وفاته ، يقرر الكواكبى ان الاستبداد هو سبب الانحطاط التاريخى للمسلمين ويعتبر أن استبداد الحكومات هو الاخطر على الناس لانها تتحكم فى حياة الفرد وسائر نشاطه وعلى الرعيه العاقله ، كما يقول أن ( تقيد وحش الاستبداد بزمام تستميت دون بقائه فى يدها لتأمن من بطشه ، فإن شمخ هزت به الزمام وإن صال ربطته ، وفى هذا المقدار كفايه لمعرفة ما هو الاستبداد بالإجمال ) . ووصف الكواكبى (المستبد) فى كتابه فقال عنه – المستبد يتحكم فى شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم – والمستبد عدو للحق وعدو للحرية وقاتلها – ويود أن تكون رعيته بقراً تحلب وكلاباً تتذلل وتتملق – والمستبد يخاف رعيته كما تخافه رعيته ووصف الحكومه المستبده بأنها سبب فى اختلال نظام الثوره ، فهى تجعل رجال السياسه والدين ومن يلحق بهم يتمتعون بحظ عظيم من مال الدوله .- الحكومه المستبده تغدق على صنائعها ، ومن يعينها على طغيانها . وتيسر للسفله طرق الغنى بالسرقه والتعدى على الحقوق العامة. – والاستبداد يفسد الاخلاق ، ويفسد العقول ، ويعطل الامر بالمعروف والنهى عن المنكر . والاستبداد يفقد الناس ثقة بعضهم البعض ، والاستبداد يحول بين الناس وبين التعاون على الخير ، والاستبداد يفسد التربيه والتعليم ، لأن التربيه الصحية لا تكون فى ظل الاستبداد . ويقول الكواكبى ( الاستبداد صفة للحكومه المطلقة العنان والتى تتصرف فى شئون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب ) ويضيف ( إن المستبدين من السياسين يبنون استبدادهم على اساس من هذا القبيل ايضاً لأنهم يسترهبون الناس بالتعالى الشخصى والتشامخ الحسى ، ويذللونهم بالقهر والقوة وسلب الاموال حتى يجعلوهم خاضعين لهم عاملين لأجلهم كأنما خلقوا من جملة الأنعام نصيبهم من الحياة ما يقتضيه حفظ النوع فقط ) ويرى فى النهايه أن ( أنفع ما بلغه الترقى فى البشر هو إحكامهم اصول الحكومات المنتظمه وبناؤهم سداً متيناً فى وجه الاستبداد وذلك يجعلهم لا قوة فوق الشرع ، ولا نفوذاً لغير الشرع ، والشرع هو حبل الله المتين ، وبجعلهم قوة التشريع فى يد الامه ، والامه لا تجتمع على ضلال ، وبجعلهم المحاكم تحاكم السلطان والصعلوك على السواء) ونرى كأن الكواكبى يعيش معنا اليوم ويرى فساد انظمة الحكم العربية وكأنه يتابع حالة الاحباط التى تعانيها الشعوب بسبب الفساد السياسى فيقول " لقد تمحص عندى ان اصل الداء هو الاستبداد السياسى ، ودواؤه هو الشورى الدستوريه" ويضيف " إن من اقبح انواع الاستبداد : استبداد الجهل على العلم .. واستبداد النفس على العقل " و" خلق الله الانسان حراً ، قائده العقل .. فكفر .. وأبى إلا أن يكون عبداً ، قائده الجهل " و" أن المستبد فرد عاجز لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه ، أعداء العدل وأنصار الجور" و"تراكم الثروات المفرطه ، مولد للاستبداد ، ومضر بأخلاق الأفراد " و" الاستبداد أصل لكل فساد" ويقدم الكواكبى تعريفاً دقيقاً لمصطلح (الاستبداد) فيقول :" الاستبداد فى اللغه هو غرور المرء برأيه والأنفه عن قبول النصيحه أو الاستقلال فى الرأى والحقوق المشتركه وفى اصطلاح السياسيين هو تصرف فرد او جمع فى حقوق قوم بالمشيئه وبلا خوف تبعة" ويضيف " المستبد عدو الحق ،عدو الحرية ، وقاتلها والحق أبو البشر والحرية أمهم والعوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئاً والعلماء هم أخوتهم الراشدون إن أيقظوهم هبوا وإن دعوهم لبوا وإلا قيتصل نومهم بالموت " وقدم الكواكبى فى كتابه مجموعه جديدة من المصطلحات والمفاهيم الحديثه فسبق عصره وعندما تحدث عن " الدستور" و"الحرية السياسيه" و" مجالس النواب " و" الوحدة الوطنية" أو " الاتحاد الوطنى" و" العدالة" و" المساواه " كمطلبين سياسيين ويكاد يتحدث عن " العلمانيه " ويناقش مسألة فصل الدين عن الدولة ، ويقترب من الديمقراطية ، ويلجأ الكواكبى الى مطابقتها بمفهوم "الشورى"فى التراث الاسلامى " الشورى الدستوريه " ويرى الاستاذ العقاد أن الكواكبى استفاد كثيراً فى كتابه من الفيلسوف الايطالى فتوريو الفييرى وكتابه " مقالات فى الاستبداد " وانتشر بين الثوار الايطاليين ، فالكواكبى أخذ عن الفييرى افكاره الرئيسيه وطبقها على المجتمع الاسلامى والعربى . وكلاهما كتب فى تعريف الاستبداد والمستبد وعن الخوف والتملق والطموح ، ثم عن الانحلال والدين والاستبداد القديم والحديث وعن الشرف المزيف والمجد الكاذب ، وعن نفوذ الزوجات فى عهود الاستبداد وعن وسائل مقاومة الاستبداد وعن الشعوب التى لا تحس الطغيان والحكومات التى تركن اليه . ويرى كتاب آخرون أن الكواكبى تأثر فى كتابه بالكتاب الفرنسيين الذين مهدوا للثورة الفرنسية، وخاصة كتاب العقد الاجتماعى لجان جاك روسو. بينما يرى كثير من النقاد ان الواقع العربى هو المصدر الحقيقى لآراء الكواكبى فى الاستبداد والكتاب تنبؤ خطير بمصرع السلطان العثمانى فينتقد الطاغيه السلطان عبد الحميد ، الذى عرفت أيامه بالتعسف والظلم . يقول محمد عماره :- إن الكواكبى أقرب إلى الاصلاح الثورى منه الى الاصلاح " وخلاصة ما انتهى اليه الكواكبى فى كتابه أن الحكومه أياً كان نوعها لا تخرج عن وصف الاستبداد ما لم تكن تحت المراقبة الشديده والمحاسبة ، وأن الأمم المتقدمة لم تصل الى ما وصلت اليه إلا بعد التخلص من الاستبداد. ولذلك اعتبر الكواكبى الاصلاح الاجتماعى نقطة الانطلاق الى اصلاح آخر ، فتناول الاخلاق ، والمرأه ، وقضايا الشباب ، والعلاقات الاقتصاديه ، والتعليم ، فوجد ان الاخلاق الحسنه يجب تنتهى بالنهى عن المنكر ، ودعا الكواكبى الى التعليم ، ووضع كل التسهيلات اللازمه لذلك ، والتركيز على إصلاح اللغه العربية . ولم يكتفى بعرض هذه الافكار وإنما حاول ايجاد برنامج ومنهج لها ووضع الحلول اللازمه والمتمثله عنده بسيادة العداله والحريه والمساواة، والحقوق الشرعيه وتهيئة بديل الاستبداد ، فكان عبد الرحمن الكواكبى واحداً من المفكرين العرب الذين كشفوا عن أسباب الجمود الذى خيم على العالم الاسلامى ، وقارن ذلك بحالة التقدم التى وصل اليها الاوروبيون فى العصور الحديثه ، والتى مكنتهم من الهيمنه على أجزاء واسعة من العالم الاسلامى .ويرى الكواكبى أن جهل المرأه ينعكس على تربية أولادها كما يرى أن النساء أقوى من الرجال ، فالمرأه تملك من الدهاء أكثر مما يملك الرجل ، ويرى أن ترك النساء جاهلات يؤدى إلى انحدار وإنحطاط المجتمع ، ودعا الى ضرورة تعليم المرأة ، وربما يعزى ذلك إلى القيم المبكرة التى غرستها فيه خالته " صفيه" التى تولت تربيته وتعليمه ، وانعكست علاقته الدافئه بالمرأة بشكل مباشرفى افكاره ودعواته .وقد اظهر الكواكبى خلال المناصب والمراتب التى تقلدها كفايه فى الاداره وتعففاً عن المال واخلاصاً للمصلحه العامه وحباً للشعب ودفعاً للظلم وثوره على الاستبداد وكان سلاحه النزاهه والاستقامه والعدل وكان فى كل اعماله يصطم بنظام الدوله ، لنقضه للفوضى والرشوه فحرض الوالى عليه الاشرار فاعتدوا عليه ، واغتصبوا ارضه وضيق الاستبداد الخناق عليه ، حتى اقترض ليعيش بعد ان صودرت كل املاكه واقالته من عمله ، ومنع من مزاولة اى عمل ، ورغم ذلك لم تستطيع السلطه شراؤه بالمناصب ، فرأت ان تتخلص منه بعد ان اصبح شخصيه مؤثره فى العالم العربى كله بسبب مقالاته التى كان يرسلها الى الصحف العربيه لذلك ارسلت اليه شخصاً ملثماً لاغتياله وفعلا طعنه اثناء عودته الى بيته ليلاً ونجا من هذه الحادثه بأعجوبه فقرر الهروب لمصر وهاجر سراً من حلب . واجمعت المصادر أن عبد الرحمن الكواكبى مات مسموماً ، ويقال إن أحد الجواسيس لاحظ انه يبلل اصبعه من لسانه ليتمكن من قلب صفحات الكتاب الذى يقرأه بسهوله ، فأهداه كتاباً وضع سماً على اطرافه او موضوعاً فى قهوته ويقولون ان احد اتباع السلطان العثمانى طار فرحاً عندما تلقى خبر وفاته . وقال بالقراءة أتعبنا وبالقراءة قتلناه وتوفى عام 1902 متأثراً بالسم وامر الخديوى عباس بدفنه على نفقته الخاصه ورثاه الكتاب والشعراء والمفكرون . ومنهم حافظ ابراهيم فقال " هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى ... هنا خير مظلوم هنا خير كاتب . قفوا وأقرأوا " أم الكتاب " وسلموا عليه فهذا القبر قبر الكواكبى

5 comments:

Empress appy said...

بجد يا حنين ميرسى على المعلومات اصل سيادتى ساعات بتبقى جاهله بالشخصيات فبجد انتى ساعدتنى انى اعرف حد ميرسى ليكى
غير كده انا دبحت الخروف اللى متقل الكوكب عندى وبقى كويس

Hoda said...

ميرسى ليكى انتى يا قمر منورانى دايماً بوجودك وتعليقاتك اللذيذه .. بس فى حاجه غريبه بتحصل عندى فى المدونه ان التعليقات بتوصلى ميل بس ومش بتظهر على البوست .. حتى تعليقى انا ما كانش عايز ينزل غريبه دى بجد ،لكن تعليقك انتى اللى اتنشر من حسن حظى طبعاً وبأسف لاى حد كتب تعليق وما ظهرشى لانى والله مش ذنبى دا مشكله واضح انها من جوجل نفسه . العيب عليه لغاية اما تبقى تتصلح . لكم منى جميعاً كل تحيه وتقدير وكل سنه وانتم طيبين . رمضان كريم

انحلت سيور العربه وسقط المهر من الاعياء said...
This comment has been removed by the author.
انحلت سيور العربه وسقط المهر من الاعياء said...

السلام عليكم
كل عام وانت بخير استاذتى الفاضله حنين

موضوعات وكتاباتك دائما ما تقدم الجديد وتضيف الى قرائك

تحياتى
دا رقم تليفونى حضرتك
0129510679
لو مفيش طبعا عوائق لذلك
ودا اميلى
ga7im2006@yahoo.com

September 5, 2008 5:38 PM

Hoda said...

صديقى العزيز محمد

حمد الله ع السلامه ، سعيده انى اطمنت عليك آخر حاجه كتبتها كانت مليانه تشاؤم وكنت قلقانه عليك بس الحمد لله انك بخير ،وكويس انك تركت ايميلك وتليفونك اكيد هنكون على اتصال بعد كده لانك حقيقى اخ عزيز يا محمد وكل سنه وانت بخير وبصحه وسعاده وينعاد علينا رمضان بالخير دايماً . عايزينك ترجع بقى للتدوين بقوه منتظرين جديدك لاننا حقيقى مفتقدينك

دمت بكل ود